الحيوانات و النباتات “الدخيلة”: خطر مُغفل يهدّد البشر والتنوّع الحيوي
__________________________________________________________
أصبح شرق حوض
البحر المتوسط الذي تربطه قناة السويس بالبحر الأحمر، وجهة للكثير من الأنواع
النباتية والسمكية الغازية، فهل هذا تنوع بيئي أم هو تهديد للنظم القائمة؟
______________________________
تشكل الأنواع
الدخيلة (الحيوان والنبات) تهديداً كبيراً وخطيراً على النظم البيئية والبشرية،
بما في ذلك الاقتصاد والصحة العامة ومصادر رزق السكان الأصليين والمجتمعات المحلية
في جميع أنحاء العالم. ففي سواحل المملكة المغربية على سبيل المثال، تعد الطحالب
البنية التي انتقلت إلى مياه البحر المتوسط من اليابان، من الأنواع الدخيلة التي
تنمو بسرعة كبيرة وتهدد البيئة البحرية والثروة السمكية، ناهيك بغزو الموائل
الطبيعية أنواعاً محلية مثل شقائق النعمان البحرية. أينما انتشر هذا النوع الغازي
من الطحالب، قلت أعداد الأسماك والأنواع البحرية الأخرى، ما يترك آثاراً مباشرة
على الصيادين المحليين.
غزو السمكة
النفاخة شرق المتوسط
أصبح شرق حوض
البحر المتوسط الذي تربطه قناة السويس بالبحر الأحمر، وجهة للكثير من الأنواع
الغازية، وذلك عبر حركة السفن والتجارة أو الانتقال المباشر من البحر الأحمر إلى
المتوسط. وتعد السمكة النفاخة (Lagocephalus scleratus) من الأنواع الدخيلة الغريبة التي دخلت
إلى الجزء الجنوبي من سواحل الحوض المتوسطي. وهي بحسب وصف د. منال نادر، مدير معهد
الدراسات البيئية في جامعة البلمند اللبنانية، من الأسماك اللاحمة تعيش على افتراس
عدد كبير من الأنواع البحرية مثل الأخطبوط وصغار الأسماك. وتعد (النفاخة) من
الأنواع العدوانية والقاسية، وهي قادرة على تقطيع شبابيك الصيد والصنانير وابتلاع القطع
المعدنية.
يشير نادر إلى
وجود ما يقرب من 125 نوعاً من السمكة النفاخة في العالم، توجد 7 منها في البحر
المتوسط، إنما نوع (Lagocephalus sceleratus) فهو الأخطر، إذ هو قادر على التكافل مع نوع
من بكتيريا يفرز سُمّ الــ (Tetrodotoxin)، وهو أكثر خطورة من الزرنيخ بألف مرة. وبما
أن السمكة تحمل هذه البكتيريا في صدفها، فهي بالتالي محمية من الافتراس من قبل
الأنواع البحرية الأخرى، ما يسمح لها بالتكاثر بسرعة قياسية. ومن شأن ذلك ترك آثار
سلبية على البيئة البحرية المتوسطية ومخزونها السمكي.
في العراق، تغزو
زهرة النيل الأنهار وروافدها، وأصبحت نبتة غازية تخنق الأحياء المائية وتزاحم
المزروعات الصيفية، يكرهها المزارعون والصيادون ويكافح الجميع لاستئصالها، إنما
نموها المتسارع يحول دون ذلك. يتكاثر هذا النوع الغازي من النبات، تعود أصوله الى
حوض نهر الأمازون، عن طريق التلقيح الذاتي أو التلقيح الخلطي عبر الحشرات، وتولّد
نبتة واحدة منها 12000 بذرة قادرة على الحفاظ على حيويتها لــ 20 عاماً تقريباً في
الرطوبة، و6 أشهر في المناخ الجاف، فضلاً عن قدرتها على سرعة الاستجابة والتكيف مع
التغيرات المناخية. تترك هذه الزهرة التي يسميها العراقيون بالفاتنة القاتلة،
آثاراً سلبية على النظام البيئي المائي جراء منعها وصول الضوء للأنواع المائية
الأخرى، يضاف إلى ذلك استهلاكها كميات من المياه تصل 93-96 في المئة من وزنها.
ويؤدي موتها وتحلّل خلاياها الى إدخال كميات كبيرة من المواد العضوية إلى الماء،
ما يؤدي إلى خفض نوعيته.
بناءً على أحدث
تقرير علمي للمنبر الحكومي الدولي المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية (IPBES)، لا يحظى التهديد
العالمي الخطير الذي تشكله الأنواع الغريبة الدخيلة على النظم البيئية والبشرية،
بالتقدير الكافي، أو حتى الاعتراف به في كثير من الأحيان.
وفقاً لهذا
التقرير الجديد، تم ادخال أكثر من 37000 ألف نوع دخيل بمعدلات غير مسبوقة إلى
الأقاليم والمحيط الحيوي في جميع أنحاء العالم من خلال الكثير من الأنشطة البشرية،
فيما تصل أعداد الأنواع الدخيلة الضارة الى أكثر من 3500 ألف نوع، ما يهدد الطبيعة
ومساهماتها في حياة البشر ونوعية الحياة اللائقة بشكل خطير.
غالباً ما يتم
تجاهل الأنواع الغريبة الدخيلة حتى فوات الأوان، وتشكل تحدياً كبيراً للناس في
جميع المناطق والبلدان كما في حالة العراق والبلدان المتوسطية الجنوبية جراء
انتشار زهرة النيل والطحالب الرماية والسمة النفاخة وأنواع أخرى. ويخلص التقرير
إلى أن 45 في المئة من جميع البلدان لا تستثمر في إدارة الغزوات البيولوجية. ويقول
د. منال نادر في هذا الخصوص، “ليس هناك اليوم أي تركيز على دراسة الأضرار
الاقتصادية الناجمة عن هذا النوع الدخيل من الأسماك في الدول العربية”.
إلى جانب
التغيرات الجذرية في التنوع الأحيائي والنظم البيئية، وجد التقرير الجديد الذي صدر
بتاريخ 3 أيلول/ سبتمبر 2023، أن التكلفة الاقتصادية العالمية الناجمة عن الأنواع
الدخيلة تجاوزت الـ 423 مليار دولار سنوياً في عام 2019، مع تضاعف التكاليف أربع
مرات على الأقل كل عقد منذ عام 1970. وفي عام 2019 ذاته، صنّف التقييم العالمي
الصادر عن المنبر الدولي، الأنواع الدخيلة من بين أهم خمسة محركات مباشرة لفقدان
التنوع الأحيائي (التغييرات في استخدام الأراضي والبحر، الاستغلال المباشر
للأنواع، تغير المناخ، التلوث والأنواع الدخيلة الغريبة).
يوثق التقرير أن
للأنواع الدخيلة دوراً رئيسياً في 60 في المئة من حالات انقراض النباتات
والحيوانات على مستوى العالم. وتقول الرئيسة المشاركة في كتابة التقييم الجديد،
البروفيسورة البريطانية هيلين روي: “تشكل الأنواع الغريبة الدخيلة تهديداً كبيراً
للتنوع الأحيائي، ويمكن أن تسبب أضراراً غير قابلة للإصلاح في الطبيعة، بما في ذلك
انقراض الأنواع المحلية والعالمية، وتهدد رفاهية الإنسان أيضاً”
يشير التقرير إلى أن 85 في المئة من التأثيرات الموثقة والناجمة عن
الأنواع الدخيلة تترك أثراً سلبياً على نوعية حياة الناس والصحة العامة، من ضمنه
أمراض مثل الملاريا وزيكا وحمى غرب النيل التي تنتشر عن طريق البعوض الغريبة
الغازية مثل الزاعجة البيضاء والزاعجة المصرية.
وما يقارب من 80
في المئة من الآثار الموثقة على الخدمات التي توفرها النظم البيئية للبشرية، هي
الأضرار التي تلحقها الأنواع الدخيلة بالإمدادات الغذائية مثل الأضرار التي لحقت
بالسمك البلطي، وهو نوع عالمي من الأسماك، في بحيرة فيكتوريا في تشاد جراء انتشار
صفير الماء (Pontederia crassipes). كما يمكن الاستشهاد بآثار (بلح البحر الكاريبي الكاذب) المعرف علمياً
بــ (Mytilopsis sallei) على
الموارد السمكية ذات الأهمية المحلية في الهند، وكذلك أضرار سرطان الشاطئ الأوروبي (Carcinus maenas) على طبقات المحار التجارية في مقاطعة
نيو إنغلاند في أميركا.
وعلى رغم أن
الكثير من الأنواع الغريبة قد تم إدخالها تاريخياً عن قصد لتحقيق فوائدها المتصورة
للبشر، فإن التقرير الحالي للمنبر الحكومي الدولي يرى أن الآثار السلبية لتلك
الأنواع التي تصبح غازية، هائلة بالنسبة الى الطبيعة والناس. وجاء في التقرير بهذا
الصدد، “لقد كانت الأنواع الغريبة الغازية عاملاً رئيسياً في 60 في المئة من حالات
انقراض الحيوانات والنباتات العالمية التي تم تسجيلها، والمحرك الوحيد في 16 في
المئة من تلك الحالات، وكان ما لا يقل عن 218 نوعاً غريباً غازياً مسؤولاً عن أكثر
من 1200 حالة انقراض محلية. وفي الواقع، فإن 85 في المئة من تأثيرات الغزوات
البيولوجية على الأنواع المحلية هي آثار سلبية.
استناداً الى
الآثار المذكورة التي تتركها الأنواع الغازية على النظم البيئية والبشرية، كلفت
الحكومات المنبر الحكومي الدولي بتقديم أفضل الأدلة المتاحة وخيارات السياسات
للتعامل مع تحديات الغزوات البيولوجية. وتضاف الى ذلك مساهمات كبيرة من الشعوب
الأصلية والمجتمعات المحلية التي تعتمد بشكل مباشر على النظم البيئية للحصول على
موارد رزقها، ما يجعل التقرير الأكثر شمولاً على الإطلاق حول أضرار الأنواع
الغريبة الدخيلة في جميع أنحاء العالم.
إحدى أهم
الرسائل الواردة في التقرير بحسب العالم الكندي بيتر ستويت، هي أن التقدم الطموح
في معالجة الأنواع الغريبة الدخيلة أمر قابل للتحقيق. إن ما نحتاج إليه بحسب قوله
هو “نهج متكامل محدد السياق، عبر البلدان وداخلها ومختلف القطاعات المشاركة في
توفير الأمن البيولوجي، بما في ذلك التجارة والنقل، صحة الإنسان والنبات، التنمية
الاقتصادية وغيرها. وستكون لذلك فوائد بعيدة المدى للطبيعة والناس”.
ترددات نوا