يتجدد طرح ملف الأبتزاز التركي لمياه العراق في ظل تصاعد نسب الجفاف وشح المياه، وذلك بسبب غياب الحلول الداخلية أو الاتفاقات الخارجية مع دول المنبع. تتزايد المخاوف من احتمال مرور شتاء جاف على البلاد، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الموسم الزراعي ويضاعف من التحديات التي يواجهها العراق في مجال المياه، في وقت بات فيه ملف المياه يشكل ورقة ضغط سياسية واقتصادية بيد دول المنبع تركيا وإيران.
في هذا السياق، أشار عضو لجنة الزراعة والمياه والاهوار النيابية، رفيق الصالحي، إلى أن أزمة المياه مع تركيا ما زالت مستمرة، مبينًا أن تدويل القضية عبر المحاكم الدولية سيكون من الخيارات المطروحة في حال استمرار الوضع على ما هو عليه. ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي في إيجاد حلول جذرية لهذه الأزمة المتكررة، وهو ما جعلها تُستخدم من قبل دول المنبع لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية عبر التحكم في تدفق مياه نهري دجلة والفرات.
الضغط على الحكومة العراقية والحلول الممكنة
وأكد الصالحي في تصريحاته أن الحوارات مع الجانب التركي لم تتوقف، مشيرًا إلى أن هناك جهودًا مستمرة من أجل التوصل إلى تفاهمات قد تساهم في تحقيق نتائج إيجابية. ولكنه أضاف أن تدويل ملف المياه قد يصبح ضروريًا إذا استمرت الأزمة دون حلول ملموسة. وكان السياسي والناشط الحقوقي بختيار أمين قد طرح أيضًا فكرة تدويل القضية، مؤكدًا أن العراق يمتلك الحق في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، التي كانت قد تصدت في السابق لمشاكل مشابهة بين دول أخرى.
وتستمر الأمطار في العراق بالانخفاض، رغم حلول فصل الشتاء، مما يهدد الموسم الزراعي في البلاد. ويعكس ذلك التحديات التي يواجهها العراق في ظل خزين مائي منخفض وتناقص حصة العراق من المياه من دول الجوار، الأمر الذي دفع العديد من السياسيين إلى دعوة الحكومة العراقية لاتخاذ خطوات عاجلة. وكان من أبرز هؤلاء التحذيرات التي أطلقها زعيم تحالف مستقبل العراق، باقر جبر الزبيدي، في 18 كانون الأول، حيث أشار إلى أن الأزمة المائية قد تؤدي إلى تغيير جذري في طريقة الري في البلاد، مما قد يستدعي اللجوء إلى أساليب أكثر فاعلية مثل الري بالتنقيط.
توقعات مستقبلية بشأن الوضع المائي
بحسب تقارير وزارة الموارد المائية العراقية، فإن العراق يفقد سنويًا نحو 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية بسبب التصحر. كما تشير التوقعات إلى أن العراق قد يشهد جفافًا شبه كامل لنهر الفرات في قطاعه الجنوبي بحلول عام 2025، في حين سيتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي ذي موارد محدودة. وهذا يجعل من الأزمة المائية تهديدًا طويل الأمد لاقتصاد العراق وسلامة بيئته.
وتزداد هذه المخاوف في ظل التغيرات المناخية الحادة التي تشهدها البلاد. فقد ارتفعت درجات الحرارة بشكل كبير، مما أدى إلى تقليص هطول الأمطار السنوي بنسبة 30%، مع توقعات بانخفاضها إلى 65% بحلول عام 2050. وهذا بدوره يزيد من الضغط على الزراعة وتربية المواشي، مما ينعكس على الأمن الغذائي في البلاد.
دعوات إلى استراتيجيات جديدة
بناءً على هذه التطورات، يرى الخبراء أن العراق يحتاج إلى تبني استراتيجيات جديدة لإدارة موارده المائية. وتشمل هذه الاستراتيجيات ترشيد استخدام المياه، وتطوير سياسات ري أكثر كفاءة، وتنظيم حصص المياه للمحافظات. كما يجب أن تعمل السلطات العراقية على وقف التجاوزات في بعض المحافظات وتفعيل آليات للضغط على دول المنبع من خلال الدبلوماسية وأوراق الضغط الاقتصادية.
وتشمل الحلول أيضًا العمل على تحلية المياه واستخدام المياه الجوفية بشكل أكثر استدامة. ولكن هذه الحلول لن تكون فعّالة إلا إذا تضافرت الجهود الداخلية والدولية لمواجهة هذه التحديات البيئية الخطيرة.
التأثيرات على الحياة في الأهوار
من جهة أخرى، تعاني مناطق الأهوار من أزمة مائية خانقة، حيث انخفضت مستويات المياه بشكل حاد خلال السنوات الماضية، مما أدى إلى تراجع الحياة البيئية في هذه المناطق. كانت الأهوار في الماضي تمثل مصدرًا رئيسيًا للموارد الطبيعية مثل صيد الأسماك وتربية المواشي، لكنها اليوم أصبحت أراضٍ قاحلة، مما يهدد بتأثيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة على السكان المحليين.
الخلاصة
تظل قضية المياه في العراق قضية شائكة ومعقدة، تتداخل فيها العوامل السياسية والاقتصادية والبيئية. وإذا استمرت الدول المتشاطئة مع العراق في فرض سيطرتها على المياه، فإن العراق قد يجد نفسه أمام كارثة بيئية وإنسانية تهدد حياة ملايين العراقيين، ما يتطلب حلولًا عاجلة وجادة على الصعيدين المحلي والدولي.
العالم الجديد/