مرت أكثر من 10 أيام على الضربة الإيرانية التي طالت اهدافاً إسرائيلية، وما يزال الرد الإسرائيلي "الموعود" غير واضح المعالم والموعد، بالرغم من أن الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية السابقة في نيسان 2024، جاء في اليوم السابع من الضربة، أي تأخر لأسبوع واحد فقط، لكن هذا التأخير ينوي لـ"تقليص" حجم الرد، وبضغط أميركي متواصل لكبح جماح النوايا الإسرائيلية، بحسب العديدين. تهدئة تجاه إيران وتغاض عن العراق خاضت واشنطن الكثير من المباحثات والنقاشات مع الجانب الإسرائيلي، لمنع ضرب أهداف إيرانية كبيرة، بل أن واشنطن تتمنى لو أن "تل أبيب" لا ترد على ضربة إيران، وهذا ما تكشفه المحاولات والمقترحات التي تعمل واشنطن على إقناع تل أبيب بها دون جدوى، حيث كشفت تقارير أميركية أن واشنطن اقترحت على تل أبيب فرض عقوبات اقتصادية كبيرة على إيران بدلاً من الضربة العسكرية، لكن إصرار تل أبيب على الرد، اضطر واشنطن إلى عرض تعويضات كبيرة وأسلحة إلى تل أبيب مقابل التخلي عن بعض الأهداف الاستراتيجية الكبيرة مثل المنشآت النفطية أو المفاعلات النووية، وقادت واشنطن جولات طويلة من المباحثات طوال الأيام العشرة الماضية لتقليص ضرر وحجم الضربة الإسرائيلية على إيران. وتشير المعطيات إلى أن واشنطن تعمل بدور "الطرف الحكيم" في المعادلة، والحامي لبعض الأطراف المعادية لإسرائيل، والمبرر هنا أن واشنطن لا تريد توسيع نطاق الحرب أو الذهاب لحرب شاملة، رغم غموض المعنى أو الحدود المقصودة للحرب الشاملة. لا تقوم واشنطن بتقليص حجم الضربة على إيران فحسب، بل أنه من الواضح جداً تغاضي واشنطن عن الفصائل العراقية ودورها في الضربات التي توجهها لإسرائيل، حتى أن هجمة واحدة بالمسيرات قتلت وأصابت 26 جندياً إسرائيلياً في الجولان، وهو رقم يعادل قتال يوم كامل برياً بين الجيش الإسرائيلي وقوات الرضوان على الحدود الجنوبية للبنان، ما يعني أن التأثير العراقي واضح بالضربات ضد إسرائيل، وهو أمر صرحت به تل أبيب وصنفت العراق على أنه أحد الجبهات المعادية. لكن الصمت الأميركي عن الجبهة العراقية، بالرغم من أن الطائرات الأمريكية قامت بنفسها بضرب الحوثيين في اليمن نتيجة عملياتهم ضد إسرائيل، فضلاً عن دور التهدئة الذي تأخذه واشنطن فيما يخص الرد الإسرائيلي المتوقع على إيران، يطرح جملة تساؤلات عن ما تفكر فيه أميركا بالضبط. كما أن واشنطن ليست "متغاضية" عن دور الفصائل العراقية فحسب، بل كشفت تقارير أميركية أن واشنطن اقنعت تل أبيب بعدم ضرب العراق وتحول بينها وبين ذلك حتى الآن. دور مزدوج تلعب واشنطن دوراً مزدوجاً في هذه الحرب، فـ"الحكمة" التي تبديها فيما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية تجاه إيران والعراق على حد سواء، تغيب نوعاً ما على ساحات غزة ولبنان، حتى أن واشنطن تصرح بشكل واضح على "إنهاء حزب الله" سياسياً في لبنان وليس إنهائها كقوة مسلحة فحسب. المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكشتاين، وصف "إضعاف حزب الله بالعمليات العسكرية" يجب أن يُنظر إليه على أنه فرصة لكسر الجمود السياسي"، حيث تنوي واشنطن تشكيل الحكومة اللبنانية التي تأخرت كثيراً دون مشاركة حزب الله. كما أن وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، قال إن للشعب اللبناني مصلحة في أن تفرض الدولة نفسها بوجه حزب الله، وتتولى زمام المسؤولية عن البلاد ومستقبله. إن الخارجية الأميركية أعلنت تأييدها للهجمات الإسرائيلية ضد حزب الله، وفي ذات الوقت اعتبرت أن موافقة حزب الله على شروط وقف إطلاق النار وفصل الساحة عن غزة "جاءت متأخرة". يتضح من سياق الموقف الأميركي تجاه حزب الله، كذلك تجاه حماس، بأن هناك اصراراً على إضعاف بل وربما إنهاء فصائل المقاومة في لبنان وغزة، على عكس "الحكمة" والتهدئة التي تقودها تجاه إيران والعراق. العراق.. "قلعة المقاومة"؟ طوال سنوات، كان حزب الله اللبناني وأمينه العام حسن نصر الله، يعد "درة تاج المقاومة"، وأقوى خطوط الصد الإيرانية في المنطقة، لكن الموقف الأميركي تجاه إضعاف المقاومة في فلسطين ولبنان، والتغاضي النسبي عن العراق وإيران، يطرح تساؤلات عن خطط محتملة لإعادة تشكيل خارطة محور المقاومة. تدعم هذه المؤشرات، التغاضي الأميركي عن افتتاح مكاتب لحماس والحوثيين في العراق، وربما إيجاد موضع قدم لحزب الله اللبناني في العراق أيضاً، وهي خطة من شأنها أن تفسح المجال والمساحة للمقاومة في العراق مقابل خنقها في لبنان وغزة القريبتان من إسرائيل. غياب حزب الله ونصر الله، قد يدفعان إلى ضرورة إيجاد "خط صد قوي بديل" في المنطقة، ومع المؤشرات والمعطيات السابقة، تطرح تساؤلات عما إذا كان العراق سيتحول هو إلى "قلعة المقاومة" في المنطقة، بتواجد الفصائل العراقية والتمثيل الحوثي وحماس وحزب الله اللبناني ربما مستقبلاً. مقابل الخناق الذي تفرضه إسرائيل وأميركا على المقاومة في لبنان وغزة، ربما ستكون هذه الصفقة مقنعة نوعاً ما لإيران، مع وجود مؤشرات على "موافقة إيرانية محتملة على فصل الساحات"، وكذلك موافقة حزب الله على فصل الساحات أيضاً، بوقف إطلاق النار وفق القرار 1701 بتفويض الحكومة اللبنانية المؤقتة بأخذ دور التفاوض، فإيران والعراق ستتاح لهما فرصة عدم ملاقاة مصير حزب الله وحماس، بل وتعزيز مساحة نفوذ المقاومة في العراق، ونفوذ إيران في العراق أيضاً. ويأتي هذا الاحتمال متماشياً مع قرب الانسحاب الأميركي من العراق، ففي نهاية العام المقبل، ستكون القوات الأميركية قد انسحبت من جميع القواعد في العراق والبقاء ربما فقط في قاعدة الحرير بأربيل لقيادة عملياتها في سوريا، وفق الاتفاق بين بغداد وواشنطن، وهو ما سيمنح مساحة أكبر للنفوذ الإيراني، وحرية الحركة للمقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية واليمنية أيضاً في العراق.
موقع /الجبال