حذرت منذ أشهر منظمة الأمم المتحدة للأرصاد الجوية، واليوم تطلق صرخة إنذار شديدة القوة لموجات الجفاف، التي قد تضرب مناطق في المحيط الهادئ، مضيفة آثاراً أقسى على الطبيعة والإنسان مما يعانيه، جرّاء الاحتباس الحراري الناجم عن الانبعاثات الهائلة للغازات الدفيئة في طبقات الجو، والمؤدية بالنتيجة إلى الشذوذ المناخي، الذي نشهده من ارتفاع درجات الحرارة لمستويات غير مسبوقة والسيول والفيضانات في مناطق الصحراء. جاء هذا الإنذار تزامناً مع بدء ظاهرة النينيو، والتي قد تصل نسبة الستين بالمئة مع نهاية تموز الحالي لتبلغ التسعين بالمئة في أيلول القادم، وبذلك سنعاني من تأثيرها لمدة ثلاثة أعوام قادمة، وفي الحقيقة أن هذه الظاهرة تعدُّ من الظواهر الطبيعية منذ بدء الكون وتتبادل الأدوار مع شقيقتها النينيا كل بضعة أعوام، بيدَ أنّ ما جعل علماء المناخ يدقون أجراس الخطر من جديد، هو تضاعف شدة التأثير السلبي لها، بسبب التخريب المستمر للطبيعة بأيادٍ بشرية منذ بداية الثورة الصناعية، التي نهضت بالدول من جهة، وأجهدت المناخ من جهة ثانية، وكنا قد رأينا في قمة المناخ الأخيرة، التي عُقدت في مصر اجتماع الدول الكبرى خاصة تلك الصناعية بعض التوجهات المستقبلية للجوء إلى الطاقة البديلة النظيفة، لكنها في الواقع خطط تحتاج من الوقت الكثير لتتجسد فعلياً، أمّا ونحن اليوم أمام حدث مناخي، قد يفتك بعدد لا يستهان به من الناس، فمن الأجدر بالحكومات اتخاذ تدابير وقائية للتخفيف من وطأة الأزمة، كذلك لا بد من رفع درجة الوعي عند المواطنين بكيفية التعامل مع أي ظرف مستجد. نعم قد يقول البعض هذا بالنسبة إلى الدول المعنية كدول جنوب أميركا « تشيلي، الاكوادور، البيرو « أو دول المحيط الهادئ « كأستراليا واندونيسيا ونيوزيلندا « فهل نحن بمأمن من ذلك. وفي هذا السياق فلا بدّ من التذكير بالنينيو التي حصلت عام 2016م وعواقبها الوخيمة، التي امتدّ تأثيرها إلى دول شمال الأطلسي والبحر المتوسط ومنها تونس، ناهيك عن السيول التي أغرقت الكويت من شدتها عام 1997م، وفي هذه الأيام تشهد الدول العربية ارتفاعاً كبيراً في الحرارة، التي وصلت في شمال الجزائر ل 50 درجة مئوية كذلك في المغرب مقارنة ب 42 درجة مئوية في مثل هذا الوقت من العام الماضي. نحن في الدول العربية لا تقف تأثيرات النينيو عند ارتفاع الحرارة والجفاف فقط، بل تتجاوز ذلك إلى ما هو أسوأ، لا سيما أننا من المستوردين الأوائل للقمح والحبوب من تلك الدول، وهذا ما يجعل الأمن الغذائي للمواطن بخطر. فضلاً عن الخلافات المائية بين الدول المتشاطئة على الأنهار، حيث تتسبب بطغيان دولة على حصة جارتها من الماء، فتنعم هذه بالخير وتصاب تلك بالفاقة والجفاف. وفي بضع سطور سأروي لكم قصة النينيو، لمن لم يطّلع عليها من قبل، فقد تشير بعض دراسات المؤرخين إلى أن فيضان نهر النيل كل سبعة أعوام، ما هو إلا بفعل هذه الظاهرة وأن ما حدث في عهد سيدنا يوسف (عليه السلام) من سني القحط يبرهن لنا فعلياً مدى امتداد الأثر إلينا، فمن المعتاد أن تتجه الرياح فوق المحيط الهادئ الاستوائي من الشرق إلى الغرب فترفع من درجة دفء الماء، أي أن ذلك يعني موسماً وفيراً من الأسماك والخير على شواطئ أميركا الجنوبية، أما النينيا فتطلق على تلك الموجات التي، تجعل الماء أبرد من المستوى الطبيعي. وبالرغم من حدوثها بشكل دوري منذ غابر الزمان إلا أن ما فاقم من تأثيرها على أنماط هطول الأمطار ودرجات الحرارة وظواهر الطقس المتطرفة، هو كما أسلفنا زيادة نسبة الاحتباس الحراري على مدار الكوكب. هل ستستجيب الحكومات العربية لناقوس الخطر، الذي دقته المنظمة العالمية للمناخ في ظل ما تشهده السودان «سلة الغذاء العربية» من اضطرابات وما يشهده العراق من جفاف منذ أعوام.